الخميس، 31 يناير 2013

الجمال والقبح


تلاقى الجمال والقبح ذات يوم على شاطئ البحر ، فقال كلّ منهما للآخر " هل لك أن تسبح؟"
ثم خلعا ملابسهما وخاضا العباب ، وبعد برهة عاد القبح إلى الشاطئ وارتدى ثياب الجمال، ومضى في سبيله . وجاء الجمال أيضاً من البحر ، ولم يجد لباسه ، وخجل كل الخجل أن يكون عارياً ، ولذلك لبس رداء القبح ، ومضى في سبيله .
ومنذ ذلك اليوم ، والرجال والنساء يخطئون كلّما تلاقوا في معرفة بعضهم البعض . غير أن هنالك نفراً ممكن يتفرّسون في وجه الجمال ، ويعرفونه رغم ثيابه ، وثمة نفر يعرفون وجه القبح ، والثوب الذي يلبسه لايخفيه عن اعينهم
جبران خليل جبران

IP

أربعة هم الناس


أربعة هم الناس :
إنسان جُلّه بهيمة وبعضه إنسان , وإنسان نصفه بهيمة ونصفه إنسان , وإنسان جُلّه
إنسان وبعضه بهيمة , وإنسان كله إنسان .
أما الاول فما لفكرة الكمال أقل سلطاناً عليه , وأما الثاني فيحلم بالكمال ولكنه لا 
يسعى إليه , وأما الثالث فيحلم ويفكر ويؤمن ويشتاق ويسعى بكل واسطة لديه , وأما
الرابع فقد وصل إلى ما وراء الحلم والفكر والايمان والشوق والسعي فلا يغريه تصفيق 
ولا يؤذيه تصفير , والثالث من هؤلاء الاربعه احقهم بالتقدير وبالمحبه والغفران ,لانه
لا يصارع البهيمية في نفسه لا غير , بل يصارع كذلك الناس الذين ما برحوا جُلّهم 
بهيمة , والذين نصفهم بهيمة , فهؤلاء لا ينفكون يزرعون في طريقه الفخاخ 
لينصروا البهيمة فيه على الانسان كيما يبقى واحداً منهم وضمن حظيرتهم .
أيّها الكمال ما أدناك وما أقصاك , وما أمرك وما أحلاك !
أيها الكمال لا تحصي علي عثراتي .
أيها الكمال ليكن شوقي إليك شفيعا بي لديك .
ميخائيل نعيمة | مذكرات الاطرش

IP

انا من هناك


أناَ منْ هُنَاكَ، ولي ذِكْرياتٌ ، وُلِدْتُ كما تُولَدُ النَّاس 
لِي وَالدَهْ وبيتٌ كثير النَّوافذِ، لي إخْوةٌ، أصدقاءُ، وَسجْنٌ بنَافذَةٍ بَاردَهْ
وَلي مَوْجَةٌ خَطَفتْهَا النَّوارس، لي مَشْهَدي الخاصُّ، لي عُشْبَةٌ زَائِدَهْ
وَلي قَمَرٌ في أقاصِي الكَلاَم، ورزْقُ الطُّيُور، وَزَيتونَةٌ خَالِدَهْ
مَرَرْتُ على الأَرْض قَبْلَ مُرُور السُّيُوفِ على جَسدٍ حوّلُوه إلى مَائِدهْ
أَنَا مِنْ هُناك، أُعيدُ السَّمَاءَ إلى أُمِّها حينَ تبكي السَّمَاءُ على أمَّهَا،
وَأَبْكيِ لتَعْرفَني غَيمَةٌ عَائِدهْ
تَعَلّمْتُ كُلِّ كلام يَليقُ بمَحكَمَةِ الدِّم كَيْ أُكْسِرَ القَاعِدهْ
تَعَلّمتُ كُلِّ الكَلاَم، وَفَكَّكْتُهُ كَيْ أُرَكِّب مُفْرَدَةً وَاحِدَهْ
هِيَ: الوَطَن
محمود درويش

IP

الأربعاء، 16 يناير 2013

التنزه في المقابر

 انني عادة ما انصح أصدقائي، بل حتى الناس الذين لا أعرفهم، والذين يمرون بفترة ضيق ويأس بالذهاب الى المقابر أقول لهم : "ان المكوث لمدة عشرين دقيقة داخل مقبرة يكفي، لا للقضاء على اكتئابهم، لكن، تقريبا لجعله متجاوزاً". مؤخرا صادفت فتاة أعرفها منذ مدة، وهي في حالة ضيق شديد جراء الحب، قلت لها: "اسمعي، انك على مقربة من مونبارناس، اذهبي هناك تنزهي لنصف ساعة من الزمن وسترين ان مصيبتك غدت مستحملة". ان زيارة مقبرة أجدى من مراجعة طبيب، جولة سريعة في مقبرة هي درس آني في الحكمة، شخصياً، مارست هذه الامور، ان ذلك ليس حلا، لكنه، نسبياً، مجدِ. ماذا بوسعنا ان نقول لانسان يلفه يأس عظيم؟ لا شيء. تقريباً، ان انجع وسيلة لتحمل هذا النوع من الفراغ هي ان يكون لدى الانسان وعي بالعدم، من دون ذلك، الحياة لا تحتمل، اذا كان لدى الانسان وعي بالعدم، فان كل ما قد يصيبه يحتفظ بنسبه العادية بعيداً عن النسب المجنونة التي تطبع الافراط في اليأس.
اميل سيوران

IP

الجمعة، 4 يناير 2013

عزف منفرد لمارسيل

كحياة الزهرة تسقط أيام السنة ؛ نبلغ نجومها ؛ تشحب وتقترب من الافول لنلتقي على وقع يومين من رأس السنة الجديدة ؛ نتقدّم إلى باب نبع خفي ؛ إلى الغموض الجميل بحثاً عن حريّة تشّع مثل نجمة الصباح الوضيئة ؛ أيتها الحياة أيها النور ما أغلاكما ؛ لن نتوقف عن المقامرة وسنراهن بكل ما نملك لابتسامة من البهجة تعمّ أرجاء السماء ؛ نسير وراء أحلامنا لتتأجج الحياة في الألم الصامت في النور الشاحب في الدموع الليلية في الحروب الصغيرة في العواصف المتفجرة في مطر الدم في لون الغروب المرتجف المنبعث من مصباح الزمن في نصاعة بيضاء ؛ في حرية ملتهبة في جذوة متقدة في وردة الصمت يقيناً أنه ما يزال هناك حب في هذا العالم ينقذنا ويكنّس شظايا الألم ؛ نضفر الأكاليل لنتوّج تفتّح الزهور ؛ لكم فرحة لا يمكن إحتواؤها أبداً تفيض وتتدفق كالماء في القلوب.

IP

الخميس، 3 يناير 2013

أسطورة التوت


كانت الثمار الحمراء لشجرة التوت بيضاء كالثلج. وقصة تغير لونها قصة غريبة ومحزنة، ذلك أن موت عاشقين شابين كان وراء ذلك. فقد أحب الشاب بيراموس العذراء الصغيرة ثيسبي وتاق الاثنان إلى الزواج. ولكن الأهل أبوا عليهما ذلك ومنعوهما من اللقاء، فاكتفى العاشقان بتبادل الهمسات ليلآ عبر شق في الجدار الفاصل بين منزليهما. حتى جاء يوم برح بهما فيه الشوق واتفقا على اللقاء ليلآ قرب مقام مقدس لأفروديت خارج المدينة تحت شجرة توت وارفة تنوء بثمارها البيضاء.
وصلت الفتاة أولآ ولبثت تنتظر مجيء حبيبها. وفي هذه الأثناء خرجت لبؤة من الدغل القريب والدم يضرج فكَّيها بعد أن أكلت فريستها، فهربت ثيسبي تاركة عباءتها التي انقضت عليها اللبوة ومزقتها إربآ ثم ولَّت تاركة عليها آثار الدماء.
حضر بيراموس ورأى عباءة ثيسبي فاعتقد بأن الوحش قد افترس حبيبته، فما كان منه إلا أن جلس تحت شجرة التوت وأغمد سيفه في جنبه، وسال دمه على حبيبات التوت ولوَّنها بالأحمر القاني. بعد أن اطمأنت ثيسبي لانصراف اللبؤة، عادت إلى المكان لتجد حبيبها يلفظ اسمها قبل أن يموت وعرفت ما حدث، فالتقطت سيفه وأغمدته في قلبها وسقطت إلى جانبه.
وبقيت ثمار التوت الحمراء ذكرى أبدية لهذين العاشقين..


IP