والشر يلد الشر إن الألم الأول الذي تعانيه يطلعك على اللذة التي يحققها لك تعذيب الآخرين. ولا يمكن أن تخطر فكرة الشر ببال أحد، إلا ويفكر في تحقيقها فوراً. قال أحدهم: الأفكار مخلوقات عضوية، ولادتها تهب لها شكلاً، وشكلها هو الفعل. والذي تولد في ذهنه الأفكار أكثر من غيره. ويتبع ذلك أن العبقري إذا سُمّر على كرسي الوظيفة فإما أن يموت وإما أن يجن، مثله كمثل من أوتي جسماً قوياً، إذا عاش حياة خاملة ساكنة ولم ينفق من قوته شيئاً، مات بسكتة القلب.
ما الأهواء الجامحة إلا أفكار في أول مرحلة من مراحل نموها. هي من شأن القلب الفتي، وما أشد حماقة من يتصور أنه يتمكن أن يظل مضطرباً بها، حياته كلها. كثير من الأنهر الهادئة هي في أول أمرها سيول عارمة جارفة. ولكن ما من نهر يظل يتواثب ويرغى ويزبد حتى لحظة انصبابه إلى البحر. وكثيراً ما يكون هذا الهدوء دليل قوة كبيرة كامنة. إن الأفكار والعواطف الواسعة العميقة تنفي الفورات الهائجة والاندفاعات المجموعة. والنفس، في ألمها ولذتها، تعي كل ما يجري فيها أدق الوعي، وتقنع ذاتها بأن ما كان لا بد أن يكون. تعرف أنها، بدون العواصف، تجففها حرارة الشمس الدائمة. إنها تتغذى بحياتها نفسها. تدلل ذاتها وتعاقب ذاتها، كما يدلل ويعاقب طفل حبيب. لا يستطيع الإنسان أن يفهم العدالة الإلهية إلا إذا بلغ هذه الدرجة العليا من معرفة نفسه.